معاناة أفراد مجتمع الميم في استئجار بيت في موريتانيا
في المجتمع الموريتاني يُعلي من شأن التقاليد الاجتماعية والدينية على حساب الحريات الفردية، يواجه أفراد مجتمع الميم (LGBTQ+) تحديات جمة في كل جوانب حياتهم اليومية، بما في ذلك استئجار منزل. في ظل غياب قوانين تحترم الخصوصية الفردية والحريات الشخصية، يصبح من الصعب على هؤلاء الأفراد العثور على مسكن آمن ومستقر، دون التعرض للتمييز أو الخطر.
غياب القوانين الداعمة للحريات الفردية
في موريتانيا، لا توجد قوانين تحمي حقوق الأفراد في اختيار نمط حياتهم أو التعبير عن ميولهم الجنسية. بل على العكس، تُعتبر العلاقات بين أفراد من نفس الجنس غير قانونية ويمكن أن تؤدي إلى عقوبات قاسية تصل إلى السجن. هذا الإطار القانوني ينعكس بشكل مباشر على حق الأفراد في السكن، حيث يُعتبر من غير المقبول اجتماعياً أو قانونياً أن يعيش شخصان من نفس الجنس معاً في منزل واحد، حتى لو كانت العلاقة بينهم لا تتجاوز حدود الصداقة.
المراقبة الاجتماعية والتدخل في الخصوصية
يُعتبر الموريتانيون مجتمعات صغيرة ومرتبطة ببعضها البعض، حيث تتغلغل المراقبة الاجتماعية في جميع جوانب الحياة. لذا، من السهل على الجيران أو المجتمع المحلي ملاحظة أي وضع "غير طبيعي"، مثل سكن امرأتين أو رجلين في منزل واحد دون وجود رابط عائلي واضح. في مجتمع يحترم الخصوصية، يمكن للفرد أن يعيش بالطريقة التي يراها مناسبة دون تدخل من الآخرين. ولكن في موريتانيا، يُعد هذا الأمر شبه مستحيل، حيث يُفسر وجود شخصين من نفس الجنس يعيشون معاً على أنه إشارة إلى "سلوك غير مقبول".
العيش في الظل: اللقاءات السرية
نظرًا لصعوبة استئجار بيت مستقل، لا يجد أفراد مجتمع الميم خيارًا سوى البقاء في الظل. فلا يستطيعون العيش في منزل مستقل بشكل علني، بل يضطرون للاكتفاء بلقاءات قصيرة وسرية بعيدًا عن الأنظار. هذه اللقاءات غالبًا ما تكون محدودة في الوقت والمكان، مما يزيد من شعورهم بالعزلة والخوف من اكتشاف أمرهم.
المظهر غير النمطي: مصدر للخطر
إذا لاحظ صاحب المنزل أو الجيران أن أحد الأفراد يظهر بشكل غير نمطي، سواء كان ذلك من خلال مظهره أو تصرفاته، فإن ذلك يضع هؤلاء الأفراد في خطر لا يمكن توقع نتيجته. على سبيل المثال، إذا كانت امرأتان تعيشان معاً، وإحدى هذه النساء تبدو أكثر ذكورية من حيث اختيارها للإكسسوارات أو حركاتها، أو إذا كان رجلان يعيشان معاً، وأحدهما يظهر تصرفات لا تتماشى مع الصورة النمطية للرجولة في المجتمع، فإن هذا يمكن أن يثير شكوكًا وردود فعل سلبية من الجيران أو صاحب المنزل.
في مثل هذه الحالات، قد يصل الأمر إلى إبلاغ الشرطة، أو حتى التعرض للعنف الجسدي واللفظي من قبل سكان الحي. هذه المواقف تجعل من الصعب جداً على أفراد مجتمع الميم العيش بحرية أو اختيار نمط الحياة الذي يرغبون فيه دون خوف من العواقب.
التحديات النفسية والاجتماعية
إن العيش في مجتمع لا يحترم حقوق الأفراد وحرياتهم يعزز من شعور العزلة والخوف. بالنسبة لأفراد مجتمع الميم، يكون البحث عن مسكن مجرد بداية لسلسلة من التحديات النفسية والاجتماعية. فهم يعيشون في خوف دائم من اكتشاف ميولهم الجنسية أو هوياتهم الجندرية، مما قد يعرضهم للاضطهاد أو حتى العنف الجسدي.
التمييز في سوق العقارات
يمتد التمييز ضد أفراد مجتمع الميم إلى سوق العقارات، حيث قد يواجهون رفضاً من قبل الملاك إذا ما كان يُشتبه في أنهم من مجتمع الميم. في بعض الحالات، حتى عندما يتمكنون من استئجار منزل، يواجهون مضايقات مستمرة من الجيران أو المجتمع المحيط، مما يجعل العيش بسلام واستقرار أمراً بالغ الصعوبة.
في ظل غياب قوانين تحمي الحقوق الفردية واحترام الخصوصية، يجد أفراد مجتمع الميم في موريتانيا أنفسهم في مواجهة تحديات جسيمة عند محاولة استئجار منزل. ومع عدم قدرتهم على العيش بشكل مستقل، يضطرون للعيش في الخفاء، مكتفين بلقاءات قصيرة وسرية خوفًا من الاضطهاد. وتزيد المظاهر غير النمطية من خطر تعرضهم للتنمر أو العنف، مما يجعل الحياة اليومية لهؤلاء الأفراد مليئة بالخوف والقلق. يتعين على المجتمع الموريتاني النظر في إعادة تقييم مواقفه التقليدية والعمل نحو تعزيز الحريات الفردية واحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في اختيار أسلوب الحياة والعيش بسلام وأمان.