معاناة النساء المثليات الموريتانيات في الزواج القسري: بين الهوية المفقودة والدمار النفسي

 



في مجتمع محافظ مثل موريتانيا، تواجه النساء المثليات تحديات هائلة، تبدأ بالتمييز الاجتماعي ولا تنتهي عند القوانين القمعية. ولكن واحدة من أكثر التحديات قسوة هي الزواج القسري، حيث تُجبر النساء المثليات على الزواج من رجال دون اعتبار لمشاعرهن أو هوياتهن. هذا الزواج القسري لا يؤدي فقط إلى إنكار هوياتهن الجنسية، بل يتسبب أيضًا في تدمير نفسياتهن بشكل عميق.

الزواج القسري: فرضية لا يمكن الهروب منها

في موريتانيا، يُعتبر الزواج واجبًا اجتماعيًا ودينيًا على النساء. بالنسبة للنساء المثليات، يصبح الزواج فخًا يضعهن في مواجهة مع أنفسهن ومع المجتمع. يجبرهن أهلهم على الزواج من رجال دون اعتبار لرغباتهن أو هوياتهن الجنسية. في مثل هذه الحالات، تضطر المرأة المثلية إلى التظاهر بأنها متوافقة مع الدور الذي فُرض عليها، مما يضعها في معاناة دائمة بين حقيقتها وما يطلبه منها المجتمع.

بناء عائلة في ظل الإنكار

بعد الزواج، تواجه النساء المثليات ضغطًا إضافيًا لإنجاب الأطفال وبناء عائلة، وهو ما يزيد من تعقيد حياتهن. العديد منهن يجدن أنفسهن مجبرات على أداء دور الزوجة والأم التقليدية، في حين أنهن يشعرن بالانجذاب للنساء وليس للرجال. هذا الوضع يؤدي إلى تفاقم الصراع الداخلي، حيث تجد المرأة نفسها ممزقة بين دورها التقليدي وحقيقتها الداخلية.

الدمار النفسي: ثمن الإنكار

مع استمرار هذا الصراع الداخلي، تعاني النساء المثليات من آثار نفسية مدمرة. الزواج القسري وإنكار الهوية يؤديان إلى الاكتئاب، القلق، واضطرابات نفسية أخرى. في بعض الحالات، قد يؤدي هذا الإنكار المستمر لهويتهن إلى شعورهن بالاغتراب عن أنفسهن وعن الحياة التي يعشنها. يشعرن أنهن مجبرات على العيش كأشخاص آخرين، وليس كأنفسهن، مما يؤدي إلى فقدان الإحساس بالذات والشعور بالفراغ.

إنكار الهوية: محاولة للهروب من الألم

نتيجة لهذه المعاناة، قد تحاول بعض النساء المثليات إنكار هوياتهن الجنسية في محاولة للتأقلم مع الوضع المفروض عليهن. هذا الإنكار لا يكون حلاً، بل غالبًا ما يزيد من معاناتهن. حيث يشعرن بالتضارب الداخلي ويفقدن الإحساس بالسلام الداخلي، مما يجعل حياتهن اليومية مليئة بالتوتر والضغط.



المجتمع الموريتاني: إنكار وتجاهل

من الأمور التي تزيد من صعوبة وضع النساء المثليات في موريتانيا هو إنكار المجتمع لوجودهن أو عدم الرغبة في الاعتراف بأن هناك نساء مثليات في البلاد. يعتبر المجتمع الموريتاني أن المثلية هي أمر غريب وغير موجود في ثقافتهم، مما يعمق عزلة هؤلاء النساء ويجعل من الصعب عليهن العثور على دعم أو فهم لحالتهن. هذا الإنكار يزيد من الضغط النفسي الذي يعانين منه، حيث يشعرن بأنهن مجبرات على العيش في ظل هوية غير معترف بها على الإطلاق.

الزواج القسري والاغتصاب الزوجي  معاناة مضاعفة

ما تتعرض له المرأة المثلية في إطار الزواج القسري يُعتبر في كثير من الأحيان شكلاً من أشكال الاغتصاب، حيث تُجبر على ممارسة الجنس مع زوجها دون رغبة منها، وفي ظل مجتمع ذكوري لا يعترف بالاغتصاب الزوجي في أي حال من الأحوال. يُعتبر في الثقافة المحلية أن من حق الرجل ممارسة الجنس مع زوجته في أي وقت يشاء، وليس لها الحق في الرفض أبدًا. هذا الاعتقاد يعزز من معاناة النساء المثليات، اللواتي يجدن أنفسهن مجبرات على تحمل علاقات جنسية غير مرغوبة، مما يزيد من تدهور حالتهن النفسية.


تعتبر معاناة النساء المثليات في موريتانيا نتيجة الزواج القسري أحد الأوجه القاسية للتمييز الذي يواجهه مجتمع الميم في البلاد. هذا الوضع لا يقتصر على انتهاك حقوقهن الإنسانية، بل يدمر نفسياتهن ويجبرهن على العيش حياة تتعارض تمامًا مع هوياتهن الحقيقية. مع إنكار المجتمع لوجودهن وتجاهله لمعاناتهن، تصبح حياتهن مليئة بالتحديات النفسية والاجتماعية، مما يتطلب زيادة الوعي والعمل على توفير الدعم اللازم لهن، لتمكينهن من العيش بحرية وكرامة، بعيدًا عن الضغوط الاجتماعية التي تحرمهن من حقهن في العيش كما يرغبن.


المقال التالي المقال السابق